Thursday, February 15, 2007

عم صابر



إنتهى عم (صابر) من أداء صلاة الفجر ثم أخذ يجهز بضاعته التى يقتات منها هو و أبنائه . كان يملك عربة خشبية صغيرة يضع عليها بعض الأشياء التى لا توجد بينها أيَة علاقة إلا أن هذا لم يكن يعنيه فقد كان يبيع أى شىء يمكن أن يدر عليه أى دخل بسيط يكفى لسد جوعه هو و أسرته
و قد كان له مكان ثابت فى شارع به الكثير من النشاط و كان جميع سكان هذا الشارع يحبونه كما أنهم كانوا يساعدونه من آن إلى آخر عن طريق شراء بعض الأشياء منه حتى إن لم يكونوا فى حاجة إليها ، فقد كان يرفض الصدقة رفضاً تاماً
كان روتين يومه لا يتغير ، يستيقظ قبيل الفجر ، يصلى الفجر ، ثم يأخذ عربته و عليها بضاعته القليلة و يذهب إلى مكانه ينتظر رزقه حتى ينتهى النهار فيجمع أشيائه الصغيرة و يشترى طعاماً لأولاده بما كسبه من أموال يسيرة ، ثم يعود إلى بيته ليأكل مع أولاده ثم ينام حتى يستطيع الإستيقاظ مبكراً
و رغم هذا الروتين القاتل إلا أنه كان راضياً ، يحمد الله دائماً ، و كان يرى أنه أفضل حالاً من غيره
ظل على هذه الحال سنوات عديدة لا يكل و لا يمل حتى جاء اليوم الموعود ، كان جالساً فى مكانه المعتاد و فجأة جاء صبى صغير و أخبره أن يترك مكانه سريعاً لأن رجال الشرطة يخلون الشارع من البائعين و المارة جميعاً حيث أن موكب الوزير سوف يمر بعد قليل
أسرع عم (صابر) يلملم بضاعته و فجأة ظهر بعض رجال الشرطة يركضون نحوه فأسرع يجرى بعربته بعيداً عنهم ، أخذ يجرى بلا تفكير بقدر ما تسمح به صحته لدرجة أن بعض أشيائه قد سقطت من العربة ، توقف حتى يجمعها إلا أن إقتراب رجال الشرطة منه جعله يعدل عن قراره و يواصل جريه المحموم حتى إصطدم بحجر و كسرت إحدى عجلات عربته فتوقف و قلبه لا يكف عن تمزيق ضلوعه خوفاً و تعباً إلا أنه حين نظر خلفه وجد رجال الشرطة قد كفوا عن ملاحقته فقد صار بعيداً عن الشارع الذى سيمر الوزير منه
نظر عم (صابر) إلى عربته المحطمة ثم جلس جوارها يبكى ، وكيف لا و قد فقد بضاعته و رأس ماله ، و كيف لا و قد تحطمت عربته ، و كيف لا و هو سيعود إلى بيته بدون طعام يسد به جوع أولاده ، كيف لا و هو لا يعرف كيف يبدو الغد ... الغد الذى صار فجأة غامضاً موحشاً و لا يبشر بأى خير
إنتظر عم (صابر) قليلاً حتى تمالك نفسه ثم قام و أخذ يدفع العربة دفعاً حتى وصل إلى بيته ، تركها أمام البيت و دخل
كان قد تأخر هذا اليوم بسبب كل ما حدث له ، وجد أولاده يبكون جوعاً ، أحس بالعجز فهو لا يستطيع أن يفعل لهم أى شىء ، أحس بصدره يضيق و أنفاسه تختنق ، ترك البيت و نزل إلى الشارع طلباً لبعض الهواء
و أثناء مروره من أمام المقهى المجاور لبيته وجد الوزير على شاشة التلفاز فوقف يستمع لما يقول من باب الفضول ليس أكثر
كان الوزير يتحدث عن المصنع الجديد الذى إفتتحه صباح اليوم و الذى سوف يكون له دور كبير فى تنمية الإقتصاد القومى حيث إنه سوف يستوعب أعداداً كبيرة من العاملين مما سيساهم فى حل مشكلة البطالة !!!
إرتسمت إبتسامة ساخرة مريرة على شفتى عم (صابر) و هو يستمع إلى كلام الوزير و يرى كيف هلل جميع الموجودين فى المصنع و صفقوا للوزير
نظر إلى عربته المحطمة الملقاة أمام باب بيته ، أخذ ينقل بصره ما بين عربته و صورة الوزير فى التلفاز و هو لا يستمع إلى أى شىء فقد كان صوت بكاء أولاده الذين يتضورون جوعاً يتردد داخله
أحس بصدره يضيق أكثر و أكثر ، حاول أن يقول شيئاً إ لا أن غصة فى حلقه منعته من الكلام ، فصمت ...
إلى الأبد